1‏/5‏/2014

مواطن إلا ربع



(١)
يا ولاد الـ….. أأأأخ !!!
وخزات في مقدمة رأسي غشاوة تحجب عن عيني النظر، يبدو إني فقدت الوعي بعد أن رمى بي ثلاثة بغال بشرية فأرتطم رأسي بالأرضية..!
شيئاً فشيئاً بدأ الوعي يعود إليّ .. أول ما سقط عليه نظري بساطير البغال الثلاث كانت تلمع وتبرق كسمعة المسؤول العربي وذمته! ذهب نظري يتفقد المكان، أثاث فاخر وتحف باهظة وعلى الجدار عُلقت طيور «الحبارى» المُحنطة..!

(٢)
- تعال قرب .. لا تخاف ما في أحد بضرك!!
إستدرت لمصدر صوت المتحدث ..
كان «هو»! يجلسُ متكئاً على عصاه!!

نهضت متجهاً له مذعوراً وحائراً، وأنا أسير نحوه كنت أحاول تذكر «أعظم الجهاد كلمة حق في.....» فيداهمني وجه أمي باكياً، ثم أتذكر كلمة الإعرابي الخالدة «قومناك بهذا.....» ومجدداً يعود وجه أمي ما كأنه إلا حجراً في فمي وثقباً في شجاعتي!

(٣)
جلست مفترشاً الأرض .. وقد نظر بعيني مباشرة وصرخ:

-هو: خلصتوا لعب عيال؟ من المُنتصر الان؟ مـــــن؟
-أنا: النصر للأوطان والشعب مواد تصنع المجد، فهل إنتصر الشعب للوطن؟
هو: "شعبي أنا ، وأنا شعبي"
أنا: عبارة لويس الخامس عشر الذي تسبب بسقوط حكم أجداده...
هو (مقاطعاً): هذا ما علمكم إياه عرابكم؟ وبإسم الحرية غسلوا أدمغتكم؟ تقلدون العشائر المجاورة، نسيتم المزايا التي تتمتعون بها والعطايا التي نُكرمكم بها؟ والأمن والأمان نحيطكم بهما!

أنا: أنت شيخ عشيرة تحكُم أفرادها وتدير خيراتهم لست «سانتا كلوز» أو بابا نويل برواية أخرى لكي يحبك الجميع لأنك توزع الهدايا والعطايا! والأمن والأمان جسد الوطن والحرية رأسه فلا أمن ولا أمان من دون حرية .. إن ملامح الوطن التي تصلك على شكل تقارير أمنية لا تُشابه تقاطيع وطن عشيرتك، ربما إنها تشابه وجه «الشحرورة» المليء بوخزات التجميل ..  لن أحدثك عن السكن والتعلم والصحة نحتاج مقياس ريختر لنتحدث عنهم، أما هيئة التخطيط فلا فرق بينها وبين «الحمير الوحشية» إلا في الذيل والعلف! خطوط الطيران يصرخ على أبوابها عباس بن فرناس: عليّ الطلاق بثلاث ما أركبج!! التنمية مشاريع في النصوص وأموال في جيوب اللصوص، العدالة المطلقة أصبحت عانس، اما تكافؤ الفرص ضبطت بقضية دعارة، كل هذا وإن تذمرت قيل لك على المتضرر اللجوء الى القضاء، فاذهب الى المحاكم ولا تنسى دعاء السفر وحبوب منع الحمل! فإن الجميع تحت أمام محرابها سواسية كأسنان الأثرم!

(٤)
-جك جك جك (هو يُصفق بسخرية)

أنا: لست أمام ميكروفون أقتنص التصفيق، وأنت خير من يعلم أن التصفيق عمل اليدين عندما يتعب الفم من النفاق!
هو: وكأن ليس فيكم منافقين؟
أنا: لا يُعيب ضوء القنديل تهافت الحشرات عليه!
هو(مبتسماً): وهل بقى نوراً في قنديلكم أصلاً؟
أنا: "فإنَّ النَّارَ بالعودينِ تَذْكِي"'!
هو: النار ستحرق أبطالاً من ورق من صنع أيديكم.
أنا: عصا المواقف سوف تلتهم أفاعي البطولات الزائفة.
هو: اذا تعترف بكذب القيادات فيكم؟
أنا: «مرشحاً» أخاك لا بطل!! والبعض الأخر من ركاب الدرجة الاولى بخطوط طيران «العجّة» لا أكثر!

(٥)
رمى عليّ مجموعة أوراق تناثرت من حولي بعضها كُتب في أعلاها (طلب رحمة) والأخرى صفقات وطلبات مالية مع بعض من يطلق عليهم رموز عرف عنهم بانهم خصومه بالعلن وبالصحف والمنابر وحتى في غرف النوم!
هو: خذ وشوف الاحرار ..
أنا: خاب عبدُ الشخوص سجين التقديس وخابت قضيته، وهم كثر جعلوا من قضيتهم حلبة مصارعة رومانية، جعلتهم سلطة العشيرة كلاب صيد وهم لا يشعرون وسالت دماء قضيتهم برماحهم، وجيش متعدد الرؤوس لا ينتصر ولا يَغنَم، وقافلة كلابها النابحه منها وفيها لا تسير، فنحروا القضية بكذبهم وطائفيتهم .. أما طلبات الرحمة فتحت سياط الجلاد ربما تسقط دموع الضحية ولكن الأكيد أن إنسانية الجلاد تسقط معها! وتخيل أي مرحلة قد وصلنا في هذا العهد الذي تُطلب به الرحمة وغداً يُكتب على الكرامة الإنسانية: التوصيل مجاني!

(٦)
هو: اذا لم تحصدوا إلا الهباء؟
أنا: الإصلاح لا يأتي «بين يوم وليلة» على رأي وردة الجزائرية .. أصبح أفراد العشيرة اليوم أكثر إيماناً أن علاقتهم يميثاقهم ودستورهم كعلاقة الصَّدَف باللؤلؤ الأول يحميه والأخر يعطيه قيمة، اليوم من يردد (الله لا يغير علينا) يوضع في محمية خاصة لحمايته من الإنقراض! اليوم الاسرة المعارضة ينزل طفلها من بطن أمه وفي يده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي يده الأخرى علبة «سفن آب» تحسباًمن  القنابل المسيلة للدموع! الجميع يقول قول أبراهام لينكون: أنا أسير ببطء ولكن لا أسير الى الخلف أبداً! فهنيئاً بهذا النصر مبتور الانف .. هنيئاً!

(٧-النهاية)
هو: وأنت؟
أنا: "أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ"
هو: وضعك أكثر حساسية منهم .. لا تهلك!
أنا: "قالَ لا للسفينهْ ، وأحب الوطن"
هو: وطن! سوف يقال لك إنه ليس وطنك!
أنا: "كُلُّ غَرِيبٍ لِلْغَرِيبِ نَسِيبُ"

-أأأأأخ يا ولاد الـ(هو)!

خبر: وجد مواطن يدعى (أنا) منتحراً بثلاثة طلقات في الرأس ومن جهة أخرى وجد مواطن مجهول الهوية وقد لقي مصرعه أثر جرعة زائدة وإن لله وإن له راجعون .. إنتهى.


(أنا-و-هو) ليست شخصيات بعينها! بل هي شخصيات متكررة في كُتب التاريخ ولا تزال تتكرر في حاضرنا، ربما تختلف في شكلها وتفاصيلها ولكنها تبقى أحداثها متشابه في المضمون والفكرة.